فصل: حكم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


حُقّة

التّعريف

1 - الحقّة والحقّ من الإبل لغةً‏:‏ ما طعن في السّنة الرّابعة، والجمع حقاق وحقق‏.‏ وأحقّ البعير إحقاقاً صار حقّاً‏.‏ وإنّما سمّيت بذلك لأنّها استحقّت أن تركب ويحمل عليها، ولأنّها استحقّت أن يطرقها الفحل، واستحقّ الفحل أن يطرق‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذه الكلمة عن هذا المعنى‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - ابن المخاض وبنت المخاض‏:‏

2 - ولد النّاقة إذا طعن في السّنة الثّانية سمّي ابن مخاض، والأنثى بنت مخاض، سمّيت به، لأنّ أمّها غالباً تكون مخاضاً أي حاملاً‏.‏

ب - ابن اللّبون وبنت اللّبون‏:‏

3 - ابن اللّبون من الإبل هو ما طعن في الثّالثة، والأنثى بنت لبون، لأنّ أمّهما آن لها أن تلد فتصير لبوناً أي ذات لبن لأخرى غالباً‏.‏

ج - الجذع والجذعة‏:‏

4 - الجذع من الإبل ما طعن في الخامسة، والأنثى جذعة‏.‏ وذلك آخر أسنان الإبل في الزّكاة‏.‏

الحكم الإجماليّ ومواطن البحث

5 - أجمع الفقهاء على أنّه تجب حقّة في ستّ وأربعين من الإبل إلى ستّين، وفي إحدى وتسعين حقّتان إلى مائة وعشرين‏.‏ لما رواه البخاريّ في صحيحه عن أنس‏:‏ «أنّ أبا بكر الصّدّيق رضي الله تعالى عنه أرسل إليه كتاب صدقات النّبيّ صلى الله عليه وسلم وفيه‏:‏ فإذا بلغت ستّاً وأربعين إلى ستّين ففيها حقّة طروقة الجمل‏.‏ فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقّتان طروقتا الجمل» وتفصيل ذلك في كتاب الزّكاة عند الكلام عن زكاة الإبل، كما تبحث في الدّيات في تغليظ الدّية أو تخفيفها‏.‏

حقن

انظر‏:‏ احتقان‏.‏

حقنة

انظر‏:‏ احتقان‏.‏

حقيقة

التّعريف

1 - الحقيقة على وزن فعيلة مشتقّة من الحقّ، ومن معانيه لغةً الثّبوت، قال تعالى‏:‏ ‏{‏لقد حَقَّ القَولُ على أَكثَرِهمْ‏}‏ أي ثبت ووجب‏.‏ وحقيقة الشّيء منتهاه وأصله المشتمل عليه‏.‏ وفي الاصطلاح عرّفها أكثر الأصوليّين وعلماء البيان‏:‏ بأنّها الكلمة المستعملة فيما وضعت له في اصطلاح يقع به التّخاطب بالكلام المشتمل على تلك الكلمة‏.‏

وعرّفها بعضهم‏:‏ بأنّها لفظ أريد به ما وضع له ابتداءً بحيث يدلّ عليه بغير قرينة‏.‏

والمراد من الوضع تعيين اللّفظة بإزاء معنىً تدلّ عليه بنفسها‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المجاز‏:‏

2 - المجاز اسم لما أريد به غير ما وضع له لمناسبة بينهما، كتسمية الشّجاع أسداً، سمّي مجازاً لأنّه جاوز وتعدّى محلّه ومعناه الموضوع له إلى غيره لمناسبة بينهما، فالمجاز خلف عن الحقيقة، أي أنّ اللّفظ المستعمل في المعنى المجازيّ خلف لنفس اللّفظ المستعمل في المعنى الحقيقيّ‏.‏

ب - الاستعارة‏:‏

3 - الاستعارة عند علماء البلاغة‏:‏ هي ذكر أحد طرفي التّشبيه وإرادة الطّرف الآخر بادّعاء دخول المشبّه في جنس المشبّه به دالّاً على ذلك بإثبات ما يخصّ المشبّه به للمشبّه، كما تقول‏:‏ في الحمّام أسد، وأنت تريد الشّجاع مدّعياً أنّه من جنس الأسود فيثبت للشّجاع ما يخصّ المشبّه به‏.‏ والاستعارة في اصطلاح الفقهاء‏:‏ طلب الإعارة وهي تمليك المنفعة بلا عوض‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ استعارة‏)‏‏.‏

ج - الكناية‏:‏

4 - الكناية في اللّغة بمعنى السّتر، يقال‏:‏ كنوت الشّيء وكنّيته أي سترته، وفي الاصطلاح‏:‏ كلام استتر المراد منه بالاستعمال، وإن كان معناه ظاهراً في اللّغة، سواء أكان المراد منه الحقيقة أم المجاز‏.‏ فيكون تردّد فيما أريد به، فلا بدّ من النّيّة، أو ما يقوم مقامها من دلالة الحال، كحال مذاكرة الطّلاق مثلاً في كنايات الطّلاق ليزول التّردّد ويتعيّن ما أريد منه‏.‏ فبين المجاز والحقيقة عموم وخصوص وجهيّ‏.‏

أقسام الحقيقة

5 - الحقيقة لا بدّ لها من وضع‏:‏ والوضع يأتي من الواضع، فمتى تعيّن نسبت إليه الحقيقة، فتكون لغويّةً إذا كان واضعها أهل اللّغة كلفظ الإنسان المستعمل في الحيوان النّاطق‏.‏ وتكون شرعيّةً إذا كان واضعها الشّارع كالصّلاة المستعملة في العبادة المخصوصة، وتكون عرفيّةً إذا كان واضعها العرف سواءً أكان عرفاً عامّاً كالدّابّة لذوات الأربع وهي في أصل اللّغة لكلّ ما يدبّ على الأرض من إنسان أو حيوان، أم خاصّاً‏.‏ كما لكلّ طائفة اصطلاحات تخصّهم‏.‏

ويظهر من هذا أنّ استعمال اللّفظ في معنىً قد يكون حقيقةً باعتبار، ومجازاً باعتبار آخر‏.‏ فلفظ ‏"‏ الصّلاة ‏"‏ إذا استعمله أهل الشّرع في العبادة المخصوصة فهو حقيقة فيها، وهو مجاز في الدّعاء، وإذا استعمله أهل اللّغة فهي حقيقة في الدّعاء،ومجاز في الأركان المخصوصة‏.‏

الحكم الإجماليّ

6 - أوّلاً‏:‏ من القواعد العامّة عند الفقهاء أنّ الأصل في الكلام الحقيقة، ولمّا كانت الحقيقة هي الأصل، والمجاز خلف عنها فلا يصرف اللّفظ عن معناه الحقيقيّ إلى المجازيّ إلاّ عند عدم إمكان المعنى الحقيقيّ بأن كان متعذّراً أو متعسّراً أو مهجوراً عادةً‏.‏

ولهذه القاعدة فروع منها‏:‏

أ - إذا وقف على أولاده لا يدخل فيه ولد ولده إن كان له ولد لصلبه عند الحنفيّة، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة ورواية عند الحنابلة، فإن لم يكن له ولد لصلبه استحقّ ولد الابن عند الحنفيّة، لأنّ اسم الولد حقيقة في ولد الصّلب، فإذا أمكن حمله على الحقيقة فبها وإلاّ يصار إلى المجاز‏.‏ وعند المالكيّة - وهو قول عند الحنابلة - يدخل فيه ابن الابن، وعند الشّافعيّة يدخل ولد الولد مطلقاً حملاً على الجمع بين الحقيقة والمجاز‏.‏

ب - لو حلف لا يبيع، أو لا يشتري، أو لا يؤجّر أو لا يضرب ولده يحنث بالمباشرة اتّفاقًا، وإذا وكّل غيره بهذه الأعمال فباشرها الوكيل لا يحنث عند جمهور الفقهاء ‏"‏ الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‏"‏ حملاً للّفظ على حقيقته، إلاّ أن يكون مثله لا يباشر ذلك الفعل، كالسّلطان والقاضي مثلاً، فيحنث بالمباشرة والتّوكيل كليهما‏.‏

وعند الحنابلة يحنث ولو فعله بالتّوكيل إلاّ أن ينوي مباشرته بنفسه لأنّ الفعل ينسب إلى الموكّل فيه والآمر به، كما لو كان ممّن لا يتولّاه بنفسه‏.‏

ج - لو حلف لا يأكل من هذه الشّاة حنث بالأكل من لحمها، لأنّه الحقيقة دون لبنها ونتاجها لأنّه مجاز، وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يحنث بكلّ فرع نشأ عن الأصل إذا حلف بالامتناع عن الأكل منه، سواء تقدّم فرع المحلوف عليه عن اليمين أو تأخّر عنها‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ أيمان‏)‏‏.‏

7 - ثانياً‏:‏ تكميلاً للقاعدة السّابقة توجد قاعدتان أخريان‏:‏

الأولى‏:‏ إذا تعذّرت الحقيقة يصار إلى المجاز‏.‏ ولهذه القاعدة أيضاً فروع منها‏:‏

أ - لو أقرّ من لا وارث له لمن ليس من نسبه وأكبر منه سنّاً بأنّه ابنه ووارثه ثمّ توفّي المقرّ فبما أنّه لا يمكن حمل كلامه هذا على معناه الحقيقيّ فيصار إلى المجاز، وهو معنى الوصيّة، ويأخذ المقرّ له جميع التّركة‏.‏

ب - إذا حلف لا يأكل من هذه الشّجرة، وكانت ممّا لا يؤكل عينها حنث بأكل ثمرها إذا كان لها ثمر، وإلاّ فبالأكل من ثمنها ‏"‏ أو أيّ عوض عنها ‏"‏، وذلك لتعذّر الحقيقة، كما صرّح به الفقهاء‏.‏

الثّانية‏:‏ الحقيقة تترك بدلالة العادة، ومن فروعها‏:‏

أ - لو حلف لا يدخل قدمه في دار فلان فإنّه صار مجازاً عن الدّخول مطلقاً حافياً أو منتعلاً، أو راكباً، حتّى لو وضع قدمه في الدّار وهو خارج البيت ولم يدخل لا يحنث، ولو دخل راكباً ولم يضع قدمه يحنث، وذلك لأنّ المعنى الحقيقيّ مهجور بدلالة العادة‏.‏

ب - من حلف لا يأكل هذه القدر تنعقد اليمين على ما يوجد في القدر لا على عين القدر فإنّ المعنى الحقيقيّ أي أكل عين القدر محال في العادة فتترك الحقيقة ويراد المجاز بعلاقة ذكر المحلّ وإرادة الحال‏.‏ هذا، وقد يتعذّر المعنى الحقيقيّ والمجازيّ معاً فلا يمكن إعمال الكلام فيهمل، كما لو أقرّ لزوجته الّتي هي من نسب آخر معروف وأكبر منه سنّاً بأنّها ابنته فلا يمكن حمل كلامه هذا على معنًى حقيقيّ لأنّها معروفة النّسب وأكبر منه سنّاً، ولا على المعنى المجازيّ أي معنى الوصيّة لكونها وارثةً له ولا وصيّته لوارثها فيهمل كلامه‏.‏

8 - ثالثاً‏:‏ لا يجوز الجمع في لفظ واحد بين المعنى الحقيقيّ والمجازيّ في الإرادة عند جمهور الأصوليّين، كما في قولك‏:‏ رأيت أسداً وتريد الحيوان المفترس والرّجل الشّجاع معًا، وذلك لما فيه من الجمع بين المتنافيين حيث أريد باللّفظ كلّ من الموضوع له وغير الموضوع له معاً‏.‏ ولهذا صرّحوا بأنّ المجاز خلف للحقيقة‏.‏

وأجاز الشّافعيّة الجمع بين الحقيقة والمجاز بأن يراد من اللّفظ في إطلاق واحد هذا وذاك، إلاّ إذا لم يمكن الجمع بينهما عقلاً‏.‏

ولا خلاف في جواز عموم المجاز وهو إرادة معنًى مجازيّ شامل للحقيقيّ وغيره‏.‏

وتفصيله في الملحق الأصوليّ‏.‏ هذا ولهذه القواعد فروع كثيرة في الوصايا والأيمان والنّذور والوقف تنظر أحكامها في مظانّها من كتب الفقه‏.‏

حكر

التّعريف

1 - الحكر لغةً‏:‏ الاسم من الحكر بفتح الحاء وسكون الكاف، وهو في الأصل الظّلم والتّنقّص، والعسر، والالتواء‏.‏ ومنه رجل حكر وهو من يدخل على غيره المشقّة في معاشرته ومعايشته، والاحتكار‏:‏ أن يشتري الطّعام ويحبسه ليقلّ فيغلو‏.‏ والاسم منه الحكر والحكرة‏.‏ وفي القاموس وشرحه‏:‏ الحكر اللّجاجة والعسر، والاستبداد بالشّيء، أي الاستقلال وأصل الحكرة الجمع والإمساك‏.‏

أمّا الحِكر بالكسر فقد انفرد بذكره الزّبيديّ مستدركاً له على القاموس، فقال‏:‏ الحكر بالكسر ما يجعل على العقارات، ويحبس، مولّدة‏.‏

وفي اصطلاح الفقهاء يطلق على ثلاثة معان‏:‏

الأوّل‏:‏ الأجرة المقرّرة على عقار محبوس في الإجارة الطّويلة ونحوها‏.‏ ومن هذا الاستعمال ما قال ابن نجيم‏:‏ من بنى في الأرض الموقوفة المستأجرة مسجداً وقفه للّه تعالى فإنّه يجوز، وإذا جاز فعلى من يكون حكره‏؟‏ الظّاهر أنّه يكون على المستأجر ما دامت المدّة باقيةً فإذا انقضت ينبغي أن يكون في بيت المال‏.‏

وفي فتاوى عليش ‏"‏ من استولى على الخلوّ يكون عليه لجهة الوقف أجرة للّذي يئول إليه الوقف يسمّى عندنا بمصر حكرًا لئلاّ يذهب الوقف باطلاً‏.‏

الثّاني‏:‏ أن يطلق على العقار المحتكر نفسه فيقال‏:‏ هذا حكر فلان‏.‏

الثّالث‏:‏ أن يطلق على الإجارة الطّويلة والغالب أن يسمّى هذا النّوع الاحتكار‏.‏

والاستحكار بمعنى الاستئجار إجارةً طويلةً، ويسمّى ‏"‏ التّحكير أو الإحكار ‏"‏ بمعنى الإيجار أو التّأجير‏.‏ قال ابن عابدين‏:‏ الاحتكار إجارة يقصد بها منع الغير واستبقاء الانتفاع بالأرض‏.‏ وفي الفتاوى الخيريّة‏:‏ الاستحكار عقد إجارة يقصد به استبقاء الأرض للبناء، أو الغرس، أو لأحدهما‏.‏ ويكون في الدّار والحانوت أيضاً‏.‏

ومراد ابن عابدين بقوله يقصد بها منع الغير أي منع الغير من المنافسة فيما لو أوجرت الأرض أجارةً قصيرةً وانتهت المدّة‏.‏ فمن يستأجرها إجارةً طويلةً يأمن من المنافسة ويمنعها، ومن هنا أخذ هذا الاصطلاح وهو الاحتكار لأنّه يئول في معانيه اللّغويّة إلى المنع‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

2 - أ - الخلوّ‏:‏ هو المنفعة الّتي يملكها المستأجر لعقار الوقف مقابل مال يدفعه لناظر الوقف لتعميره إذا تخرّب ولم يوجد ما يعمّره به، ويكون عليه لجهة الوقف أجرة معلومة عن باقي المنفعة تسمّى حكراً‏.‏

3 - ب - الأجرة‏:‏ وهي أعمّ من الحكر‏.‏

4 - ج - الإجارة الطّويلة‏:‏ وهو اصطلاح عند الحنفيّة وغيرهم وهو أعمّ من الاحتكار إذ الاحتكار يقصد به استئجار الأرض المدّة الطّويلة للبناء، أو الغرس، أو أحدهما كما تقدّم في كلام ابن عابدين، والإجارة الطّويلة لا يشترط فيها أن تكون لهما، بل قد تكون للزّرع ولسائر أنواع استعمالات الأرض‏.‏ وتكون في غير الأرض أيضًا كالمساكن والآلات وغيرها‏.‏

أقسام الحكر

5 - الحكر يكون في الأوقاف وهو الأغلب وفي غيرها وهي الأملاك الخاصّة، وهو ما يجري عليه كلام الرّمليّ وابن عابدين، إذ أطلقا تعريف الاحتكار عن قيد الوقف كما تقدّم‏.‏ وصرّح بذلك ابن عابدين في منحة الخالق حيث قال‏:‏ الأرض المقرّرة للاحتكار أعمّ من أن تكون ملكاً أو وقفاً‏.‏ إلاّ أنّ أكثر كلام الفقهاء في شأن الحكر ينصبّ على الحكر في الأوقاف ولا يتعرّضون للحكر في الأملاك إلاّ نادراً، ولذا عرّفه صاحب قانون العدل والإنصاف بأنّه استبقاء الأرض الموقوفة مقرّرةً للبناء أو الغراس أو أحدهما‏.‏

ومن أجل ذلك سيقتصر الكلام فيما يلي على الحكر في الأوقاف، لأنّ الحكر في الأملاك تجري أحكامه بحسب صيغة التّعاقد من حيث مقدار المدّة والأجرة وغير ذلك كما سترد الإشارة إليه‏.‏

حكم الإجارة الطّويلة في الأوقاف

6 - الأصل في الإجارة الطّويلة في الأملاك أنّها جائزة لأنّ المالك يصنع في ملكه ما يشاء‏.‏ ونقل الحنفيّة التّصريح بذلك عن محمّد بن الحسن‏.‏ أمّا في الأوقاف فقد اختلف فيها‏:‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى عدم جوازها فيما زاد على ثلاث عند الحنفيّة وأربع عند المالكيّة في الجملة، وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى جوازها على التّفصيل التّالي‏:‏

7 - فذهب الحنفيّة إلى أنّه إن كان الواقف شرط أن يؤجّر أكثر من سنة يجوز شرطه لا محالة، وإن كان شرط أن لا يؤجّر أكثر من سنة يجب مراعاة شرطه لا محالة‏.‏

وإن كان لم يشترط شيئاً فالمنقول عن مشايخ الحنفيّة أنّه لا تجوز أكثر من سنة واحدة، وقال الفقيه أبو جعفر‏:‏ أنا أجوّز في ثلاث سنين ولا أجوّز فيما زاد على ذلك، والصّدر الشّهيد حسام الدّين كان يقول‏:‏ في الضّياع ‏"‏ أي الأراضي الزّراعيّة ‏"‏ نفتي بالجواز في ثلاث سنين إلاّ إذا كانت المصلحة في عدم الجواز، وفي غير الضّياع نفتي بعدم الجواز فيما زاد عن سنة واحدة إلاّ إذا كانت المصلحة في الجواز، وهذا أمر يختلف باختلاف الزّمان والموضع‏.‏ قال صاحب الدّرّ‏:‏ فلو آجرها المتولّي أكثر من ذلك لم تصحّ الإجارة وتفسخ‏.‏ وأطلق بعض الحنفيّة المنع فيما زاد على ثلاث سنين في الأرض وسنة في غيرها كما صنع صاحب تنوير الأبصار‏.‏

وقال الخصّاف‏:‏ إن كانت الأرض تزرع في كلّ سنة لا يؤجّرها أكثر من سنة وإن كانت تزرع في كلّ سنتين مرّةً لا تؤجّر أكثر من سنتين، أو في كلّ ثلاث لا تؤجر أكثر من ثلاث‏.‏

وإنّما جرت الفتيا عند الحنفيّة بذلك صيانةً للأوقاف عن دعوى الملكيّة بطول المدّة قالوا‏:‏ لأنّ المدّة إذا طالت تؤدّي إلى إبطال الوقف، فإنّ من رآه يتصرّف فيها تصرّف الملّاك على طول الزّمان متواليًا ولا مالك يعارض ويزاحم - ومال الوقف مال ضائع لعدم المطالب المهتمّ - يظنّه الرّائي بتصرّفه الدّائم مالكًا، ويشهد له بالملك إذا ادّعاه‏.‏ ولا مصلحة للوقف في أمر يدعو إلى هذا الضّرر‏.‏ ومن أجل ذلك جرت الفتيا عند الحنفيّة على إلحاق أرض اليتيم بأرض الوقف في هذا الحكم، فلا تؤجّر أكثر من ثلاث سنين‏.‏ وألحق بعضهم بذلك أيضاً أراضي بيت المال، نقله ابن عابدين عن حاشية الرّمليّ ووافقه صاحب الفتاوى الحامديّة‏.‏ وفي قول متقدّمي الحنفيّة‏:‏ يجوز إجارة الوقف للمدد الطّويلة‏.‏

غير أنّ المفتى به عند الحنفيّة قول المتأخّرين المذكور أوّلاً وهو التّوقيت‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ وإنّما عدل المتأخّرون عن قول المتقدّمين بسبب الخوف على الوقف‏.‏

ثمّ إن آجر النّاظر الوقف أكثر من ثلاث سنين فقد اختلف قول الحنفيّة‏:‏ فقال بعضهم لا يجوز، وقال بعضهم يرفع إلى القاضي حتّى يبطله، وبه أخذ الفقيه أبو اللّيث‏.‏

ورأى بعض الحنفيّة أنّه مع ذلك إن احتاج القيّم أن يؤجّر الوقف إجارةً طويلةً فالحيلة له في ذلك أن يعقد عقوداً، فيكتب‏:‏ استأجر فلان بن فلان ثلاثين عقداً مثلاً، كلّ عقد على سنة، من غير أن يكون بعضها شرطاً في بعض، فيكون العقد الأوّل لازماً لأنّه ناجز، وما بعده لا يلزم، لأنّه مضاف، وإنّما تلزم كلّ سنة إذا دخلت‏.‏

8- وعند المالكيّة كذلك لا يجوز كراء الوقف المدّة الطّويلة، قال الحطّاب‏:‏ الحبس إن كان على معيّنين كبني فلان، فللنّاظر أن يكريه سنتين أو ثلاث سنين، ولا يكريه أكثر من ذلك، فإن وقع الكراء في السّنين الكثيرة فعثر على ذلك وقد مضى بعضها فإن كان الّذي بقي يسيرًا كالشّهر والشّهرين لم يفسخ، وإن كان أكثر من ذلك فسخ‏.‏

ونقل الحطّاب عن البرزليّ عن نوازل ابن رشد في وقف أكري خمسين عاماً، إن وقع الكراء لهذه المدّة على النّقد ‏"‏ أي تعجيل الأجرة ‏"‏ فسخ، وفي جوازه على غير النّقد قولان‏:‏ الصّحيح منهما عندي المنع‏.‏ ا هـ‏.‏

ثمّ قال الحطّاب‏:‏ أمّا الحبس على المساجد والمساكين وشبهها فلا يكريها النّاظر لأكثر من أربعة أعوام إن كانت أرضاً، ولا أكثر من عام إن كانت دارًا، وهو عمل النّاس، ومضى عليه عمل القضاة، فإن أكرى أكثر من ذلك مضى إن كان نظراً ‏(‏أي مصلحةً‏)‏، ولا يفسخ‏.‏ وعلّلوا لمنع الإجارة الطّويلة في الوقف بمثل ما علّل به الحنفيّة، قالوا‏:‏ لخوف اندراسه إذا طال مكثه بيد مكتريه‏.‏

9- وعند الشّافعيّة يجوز أن تؤجّر العين إلى مدّة تبقى إليها غالباً - ما لم يخالف شرط الواقف - فتؤجّر الأرض مائة سنة أو أكثر - قال القليوبيّ‏:‏ سواء الملك والوقف - وتؤجّر الدّار ثلاثين سنةً، والثّوب سنةً أو سنتين‏.‏ وفي قول‏:‏ لا يزاد على سنة‏.‏

وقال ابن حجر الهيتميّ‏:‏ إنّما يجري ذلك - أي الإجارة الطّويلة - في الوقف إن وقع على وفق الحاجة والمصلحة لعين الوقف، واصطلاح الحكّام على أنّه لا يؤجّر أكثر من ثلاث سنين، لئلاّ يندرس استحسان منهم‏.‏ قال‏:‏ وإنّما اشترطنا ذلك لفساد الزّمان بغلبة الاستيلاء على الوقف عند طول المدّة، ولأنّ شرط إجارة الوقف أن يكون بأجرة المثل، وتقويم المدّة المستقبلة البعيدة صعب - أي لتغيّر الأسعار وطروء الرّغبات غالبًا - قال‏:‏ وأيضاً ففيها منع الانتقال إلى البطن الثّاني، وضياع الأجرة عليهم إذا كانت معجّلةً‏.‏ وأطال في بيان ذلك في فتاواه الكبرى الفقهيّة، وبيّن أنّ قضاة الشّافعيّة مالوا في ذلك إلى مذهب أبي حنيفة لأنّه أحوط‏.‏ ونقله عن السّبكيّ وغيره‏.‏ وبيّن أيضاً أنّ مجرّد زيادة الأجرة على أجرة المثل لا يسوّغ الإجارة الطّويلة في الوقف‏.‏ وقال‏:‏ وألحقوا بأرض الوقف في ذلك أرض اليتيم‏.‏

10 - ومذهب الحنابلة، أنّ الإجارة الطّويلة جائزة، على الأصل في الإجارة إذا كانت في المدّة الّتي تبقى إليها العين غالباً وإن كثرت‏.‏

واستدلّ ابن قدامة لهذا الأصل بقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ‏}‏ قال‏:‏ وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يقم على نسخه دليل‏.‏ قال ابن قدامة‏:‏ لأنّ ما جاز لسنة جاز لأكثر منها،والتّقدير بسنة أو ثلاث تحكّم لا دليل عليه‏.‏ وقد صرّح ابن تيميّة في فتاويه بأنّ ذلك يجري في الوقف، قال‏:‏ إن كان الوقف على جهة عامّة جازت إجارته بحسب المصلحة ولا يتوقّف ذلك بعدد‏.‏ وكذلك قال صاحب مطالب أولي النّهى ونسبه إلى الرّعاية والمغني،وأنّهم قالوا‏:‏ بل الوقف أولى أي بجواز الإجارة الطّويلة‏.‏ وابن القيّم من الحنابلة بيّن مفاسد الإجارة الطّويلة في الوقف كما بيّنها أصحاب المذاهب الأخرى، لكن لم يصرّح ببطلانها حيث لم يشترط الواقف امتناعها‏.‏

امتناع الإجارة الطّويلة في الوقف إذا اشترط الواقف ذلك

11 - إذا شرط الواقف منع تأجير الوقف أكثر من مدّة معيّنة وجب التّقيّد بشرطه اتّفاقاً، لكن إذا اقتضت ضرورة إبقاء عين الوقف إلى إجارته مدّةً أكثر ممّا شرطه جاز كما يأتي‏.‏ وأجاز بعض الحنفيّة والشّافعيّة أن يحتال النّاظر على هذا الشّرط، والحيلة الّتي ذكروها أن يؤجّره النّاظر ويكتب في عقد الإيجار أنّه آجره عقوداً متلاحقةً، ستّين عقداً مثلاً، كلّ عقد لسنة، وأجرة كلّ سنة كذا وكذا‏.‏

وقد أفتى بعض الحنفيّة والشّافعيّة بجواز هذه الحيلة أخذاً بأنّها لا تخالف لفظ الواقف، ومن هؤلاء قاضي خان من الحنفيّة، والشّيخ زكريّا الأنصاريّ، وابن الأستاذ، وصاحب الأنوار من الشّافعيّة‏.‏ وأفتى بعضهم بأنّها لا تفيد، نظراً إلى المعنى وأنّ هذه العقود المتلاحقة هي بمعنى عقد واحد‏.‏ ومن هؤلاء الفقيه أبو جعفر من الحنفيّة وابن الصّلاح من الشّافعيّة قال في الفتاوى الهنديّة‏:‏ والفتوى على قول أبي جعفر قال ابن حجر‏:‏ والمرجّح صحّة هذه الحيلة لأنّ من تأمّل كلام أهل المذهب وتفاريعهم وجدهم في الغالب يرجّحون ما كان أقرب إلى لفظ الواقف على ما هو أقرب إلى غرضه دون لفظه قال‏:‏ ولذا اعتمده المحقّقون‏.‏

وكلّ هذا ما لم ينصّ الواقف على امتناع هذه الحيلة، فإن منعها امتنعت اتّفاقاً‏.‏

حكم التّحكير في الوقف وشروط جوازه

12 - يتبيّن ممّا تقدّم أنّ التّحكير في الوقف مختلف فيه بين الفقهاء على أقوال‏:‏

القول الأوّل وعليه الأكثرون‏:‏ إنّه جائز، سواء اشترط الواقف منعه أم لم يشترط، ولكن لمّا كان فيه ضرر على أرض الوقف لأنّه يغلّ يد الواقف أو النّاظر في التّصرّف في الأرض، واستغلالها لم يجيزوه إلاّ بشروط‏:‏

أوّلاً‏:‏ أن يكون الوقف قد تخرّب وتعطّل انتفاع الموقوف عليهم به بالكلّيّة‏.‏

ثانياً‏:‏ أن لا يكون للوقف حاصل يعمّر به‏.‏

ثالثاً‏:‏ أن لا يوجد من يقرض الوقف القدر المحتاج إليه بأقلّ من أجر تلك المدّة‏.‏

واشترط الحنفيّة أيضًا أن لا يمكن استبدال الوقف بعقار ذي ريع‏.‏

فإذا وجدت هذه الشّروط جاز إيجار الوقف مدّةً طويلةً لمن يبنيه، أو يغرس الأرض، لأنّه تعيّن طريقًا للانتفاع بالوقف، ولم ينظر أصحاب هذا القول إلى احتمال تملّك الوقف لأنّه موهوم فلا ينظر إليه عند وجود الضّرر المتحقّق‏.‏

القول الثّاني‏:‏ إنّه جائز مطلقاً، وهو قول الحنابلة وجمهور الشّافعيّة، إلاّ أنّه إن كان الواقف قد منع الإجارة الطّويلة امتنع إلاّ إذا حصلت الشّروط المذكورة في القول الأوّل‏.‏ القول الثّالث‏:‏ قول بعض الشّافعيّة إنّه ممنوع مطلقاً، ومن هؤلاء الأذرعيّ والزّركشيّ‏.‏

الحكر على الوقف الّذي فيه الخلوّ

13 - إذا أنشأ النّاظر خلوًّا على وقف بمال أخذه من إنسان ليعمّر به الوقف حيث لا مال يعمّر به، على أن يكون جزء من منفعة الوقف مملوكاً لدافع المال، فذلك الجزء الّذي باعه يملكه دافع المال، ويسمّى الخلوّ، ولا يجوز بيع كلّ المنفعة لأنّ ذلك يؤدّي إلى بطلان الوقف‏.‏ ويجعل على مالك الخلوّ حكر دائم عن الجزء الّذي لم يملكه من المنفعة، يدفع للنّاظر حقًّا‏.‏ للجهة المستحقّة في الوقف، قال الشّيخ عليش‏:‏ من استولى على الخلوّ يكون عليه لجهة الوقف أجرة للّذي يئول إليه الوقف يسمّى عندنا بمصر حكراً لئلاّ يذهب الوقف باطلاً‏.‏ ويراجع التّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏خلوّ‏)‏‏.‏

من يجوز منه التّحكير

14 - التّحكير إذا تمّت شروطه يجوز ممّن له ولاية إجارة الوقف وهو النّاظر فلا يملكها الموقوف عليه إلاّ إن كان مولّىً على ذلك من قبل الواقف، أو مأذوناً ممّن له ولاية الإجارة من ناظر أو قاض، وكذلك ولاية قبض الأجرة للنّاظر لا للموقوف عليه ما لم يأذن له النّاظر بقبضها‏.‏

المدّة في التّحكير

15 - التّحكير نوع من الإجارة، والشّرط في الإجارة من حيث الأصل العلم بالمدّة ابتداءً وانتهاءً‏.‏

أمّا في التّحكير‏:‏ فقد قال العدويّ من المالكيّة‏:‏ جرى العرف عندنا بمصر أنّ الأحكار مستمرّة للأبد وإن عيّن فيها وقت الإجارة مدّةً، فهم لا يقصدون خصوص تلك المدّة، والعرف عندنا كالشّرط، فمن احتكر أرضاً مدّةً ومضت فله أن يبقى وليس للمتولّي أمر الوقف إخراجه‏.‏

نعم إن حصل ما يدلّ على قصد الإخراج بعد المدّة وأنّها ليست على الأبد فإنّه يعمل بذلك‏.‏

وكذلك عند الحنفيّة فإنّه يثبت للمحتكر حقّ القرار إذا وضع بناءه في الأرض ويستمرّ ما دام أسّ بنائه قائمًا فيها، فلا يكلّف برفع بنائه، ولا بقلع غراسه ما دام يدفع أجرة المثل المقرّرة على ساحة الأرض المحتكرة‏.‏

ويشترط أيضاً لبقاء المحتكر بأجرة المثل أن لا يكون فيه ضرر على الوقف، فإن كان فيه ضرر بأن يخاف منه على رقبة الأرض يفسخ القاضي الإجارة، ويخرجه من يده، وكذا إن كان هو أو وارثه مفلساً، أو سيّئ المعاملة، أو متغلّباً يخشى على الوقف منه أو غير ذلك من أنواع الضّرر‏.‏

مقدار الأجرة في الاستحكار للوقف

16 - اتّفق الفقهاء على أنّ العين الموقوفة إذا رغب في إجارتها، فإنّها تؤجّر بأجرة المثل‏.‏ ثمّ اختلفوا في تحكير الوقف بأقلّ من أجرة المثل‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ إنّه لا يجوز لمن له حقّ إجارة الوقف أن يؤجّره بأقلّ من أجرة المثل حتّى لو كان المؤجّر هو النّاظر في حال كونه المستحقّ وحده للأجرة كلّها‏.‏

وفي البحر‏:‏ أنّ النّاظر إذا كان عالمًا بأجرة المثل، وآجر الموقوف بأقلّ منها فإنّ ذلك يعدّ خيانةً‏.‏ وأمّا إذا كان النّقصان يسيراً بما يتغابن النّاس بمثله جاز، لأنّه ممّا يتسامح به، وتنفذ الإجارة معه، سواء أكان المستأجر هو المستحقّ في الوقف، أم كان أجنبيّاً‏.‏

ويفرّق الشّافعيّة والحنابلة بين أن يؤجّر المتولّي العين الموقوفة على غيره، والعين الموقوفة عليه‏.‏

ففي الحالة الأولى‏:‏ لا يجوز له أن يؤجّرها بأقلّ من أجرة المثل‏.‏

أمّا في الحالة الثّانية‏:‏ فإنّ ذلك له، قياساً أولويّاً على صحّة الإعارة منه، كما هو عند الشّافعيّة، وباعتبار انتقال ملكيّة المنافع للموقوف عليه عند الشّافعيّة والحنابلة‏.‏

ما يترتّب على التّحكير بغبن فاحش

17 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ ناظر الوقف إذا آجر الوقف بأقلّ من أجرة المثل وبغبن فاحش يترتّب عليه فساد عقد الإجارة‏.‏ هذا، وإذا كانوا قد اتّفقوا على فساد العقد، فإنّهم اختلفوا في النّتائج الّتي تترتّب على ذلك، فقال الخصّاف‏:‏ إن استغلّها فعليه أجر المثل، لأنّ المتولّي أبطل بالتّسمية ما زاد على المسمّى إلى تمام أجر المثل، وهو لا يملكه، فيجب أجر المثل، كما لو آجر من غير تسمية أجر‏.‏ أمّا إذا لم يستغلّها، كالدّار يقبضها ولا يسكنها، فهو يرى أنّه لا أجر عليه، لأنّ أجر المثل لا يلزمه في الإجارة الفاسدة، بل لا بدّ من استعمال العين الموقوفة المؤجّرة، كي يجب أجر المثل عليه‏.‏

وقال صاحب الإسعاف وابن عابدين‏:‏ إنّ الفتوى على أنّه يجب أجر المثل على كلّ حال‏.‏ ويرى المالكيّة أنّ النّاظر إذا أكرى العين الموقوفة بأقلّ من أجرة المثل ضمن تمام أجرة المثل إن كان مليّاً، وإلاّ رجع على المستأجر، لأنّه مباشر‏.‏

وقال الحنابلة بصحّة عقد الإجارة إذا آجر النّاظر العين الموقوفة بأقلّ من أجر المثل، حتّى إذا صاحب هذه الإجارة غبن فاحش، فعلى النّاظر ضمان النّقص في الأجرة فيما لا يتغابن به في العادة، إذا كان النّاظر غير المستحقّ في الوقف، أمّا إذا كان النّاظر هو المستحقّ الوحيد في الوقف فالظّاهر أنّه لا يضمن‏.‏

زيادة أجرة المثل في أثناء المدّة أو بعدها

18 - يرى فقهاء الحنفيّة أنّه إذا زادت أجرة مثل عقار الوقف المستحكر زيادةً فاحشةً، فإن كانت الزّيادة بسبب البناء والعمارة الّتي أقامها المستحكر فيها فلا تلزمه الزّيادة، وإن كانت زيادة أجرة الأرض من نفسها لكثرة رغبات النّاس في الصّقع ‏(‏أي الموقع‏)‏ تلزمه الزّيادة إتمامًا لأجر المثل‏.‏ فإن أبى استئجارها بذلك ينظر، فإن كانت الأرض لو رفعت منها العمارة لا تستأجر بأكثر من الأجرة المقرّرة تترك في يد المحتكر بذلك الأجر لعدم الضّرر على الجانبين‏.‏ وإن كانت تستأجر بأكثر منها ولم يرض بالزّيادة يجبر على رفع بنائه‏.‏ على ما يأتي‏:‏ وهذا إن كانت زيادة المثل في أثناء مدّة الإجارة، قال ابن عابدين‏:‏ لأنّه قد عرض في أثناء المدّة ما يسوّغ الفسخ وهو الزّيادة العارضة في الأجرة‏.‏

أمّا إن فرغت المدّة فإن لم يكن للمستأجر في الأرض غراس أو بناء قائم فعلاً، فليس هو أحقّ بالإجارة إذ لا يكون له حقّ القرار‏.‏ وإن كان له فيها بناء أو غراس فهو أولى من غيره بأجرة المثل، فإن لم يرض أن يدفع أجرة المثل يؤمر برفع البناء‏.‏

وكلّ هذا إذا كان الحكر في أرض الوقف، أمّا في الأراضي غير الموقوفة إذا زاد أجر المثل في مدّة العقد فللمستحكر أن يتمسّك بالعقد ويرفض الزّيادة‏.‏ ثمّ إنّ المالك أحقّ بعقاره بعد انتهاء المدّة والفرق أنّ المالك قد يرغب في سكنى عقاره أو بيعه أو هبته بخلاف الوقف، فإنّ سبيله التّأجير فالمستأجر الأوّل أولى‏.‏

والزّيادة المعتبرة في الفسخ هي ما كانت من غير متعنّت، بل يشترط أن يكون له رغبة صحيحة في الاستئجار بالزّيادة‏.‏ أمّا إن زاد المتعنّت فلا تقبل زيادته، قال في قانون العدل والإنصاف‏:‏ عملًا بالأمر السّلطانيّ المطاع‏.‏

وإذا كان العقد بصيغة‏:‏ ‏(‏كلّ شهر بكذا‏)‏ صحّ في الشّهر الأوّل ولا يصحّ في الثّاني إلاّ بالتّلبّس به، ويكون للنّاظر إذا انتهى كلّ شهر فسخ الإجارة إذا زاد أحد على المستأجر ولم يرض المستأجر بالزّيادة‏.‏

وإذا اختلف المستحكر والنّاظر فقال النّاظر‏:‏ إنّ أجرة المثل قد زادت، وقال المستحكر‏:‏ لم تزد فالقول للمستحكر، وعلى النّاظر إثبات الزّيادة بالبرهان‏.‏

ويؤخذ في ذلك عند محمّد بقول رجلين من أهل الخبرة والأمانة‏.‏ ويكفي واحد عند أبي حنيفة وأبي يوسف‏.‏ ولا تفسخ إجارة الوقف بصفة عامّة بزيادة أجرة المثل في المدّة الأولى عند المالكيّة، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة وهو مذهب الحنابلة‏.‏

نقص أجرة المثل أثناء مدّة الاحتكار

19 - إذا نقصت أجرة المثل أثناء مدّة الاحتكار لم يجز فسخ العقد لمصلحة المحتكر حتّى عند الحنفيّة القائلين بفسخه للزّيادة‏.‏ لأنّ العقد عقد إجارة لازم وفي الفسخ ضرر على المستحقّين‏.‏ وذكر الأذرعيّ من فقهاء الشّافعيّة في معرض ردّه على ابن الصّلاح فيما لو طرأ تغيير على أجرة المثل في أثناء المدّة بسبب تغيّر الأحوال أنّ الّذي يقع في النّفس أنّا ننظر إلى أجرة المثل الّتي تنتهي إليها الرّغبات حالة العقد في جميع المدّة المعقود عليها مع قطع النّظر عمّا عساه يتجدّد‏.‏

ملكيّة الغراس والبناء الّذي يضعه المحتكر والتّصرّف فيها

20 - البناء الّذي يبنيه المحتكر والغراس الّذي يغرسه بإذن القاضي أو النّاظر في الأرض المحتكرة يكون ملكاً خالصاً له فيصحّ بيعه للشّريك وغيره، وله هبته والوصيّة به ويورث عنه‏.‏ أمّا الأرض نفسها فرقبتها للوقف‏.‏

وعلى هذا لو أنّ الأرض المحكّرة استملكت للمصلحة العامّة فليس للمحتكر إلاّ التّعويض عن بنائه أو غراسه، أمّا ما يقابل رقبة الأرض فإنّه يكون للجهة الموقوف عليها‏.‏

وعند المالكيّة ما يفيد أنّ ما يبنيه المحتكر يكون ملكًا يباع ويورث لكنّهم قالوا هذا إذا بيّن الملكيّة، أمّا إن بيّن التّحبيس أو لم يبيّن شيئًا فالبناء والغرس وقف على المشهور لا حقّ فيهما لورثة الباني والغراس‏.‏

ويفهم ممّا ذكره الشّافعيّة في استئجار الأرض للبناء أو الغراس، أنّ البناء والغراس ملك للمستأجر، والأرض ملك لصاحبها‏.‏ وفي المسألة تفصيل‏.‏

ويفهم من كلام الحنابلة أنّ الحكر - إذا بيعت الأرض - يبقى للمحتكر، قال عثمان النّجديّ‏:‏ إذا بيعت الأرض المحتكرة أو ورثت فالحكر على من انتقلت إليه في الأصحّ‏.‏

الشّفعة فيما بني في الأرض المحتكرة

21 - لا شفعة عند الحنفيّة والشّافعيّة في الكردار الّذي في أرض الوقف المحتكرة لأنّه لا شفعة عندهم في البناء بدون الأرض، ولا في الشّجر بدون الأرض‏.‏

وعند المالكيّة يكون لمن اشترك في البناء في أرض الوقف المحتكرة الأخذ بالشّفعة‏.‏

وقف البناء من مالكه في أرض الوقف المحتكرة

22 - الأصل عند الحنفيّة عدم جواز وقف البناء بدون وقف الأرض، كما لو كانت الأرض مملوكةً له ولم يقفها، أو مملوكةً للغير‏.‏

ولو كانت الأرض موقوفةً فوقف البناء الّذي بناه فيها على جهة أخرى غير الموقوفة عليها الأرض اختلفوا فيه، ورجّح ابن عابدين أنّ الأرض إن كانت مقرّرةً للاحتكار جاز وقف ما يبنيه المحتكر بها، لأنّه لا مطالب بنقضه بخلاف المملوكة نصّ على ذلك الخصّاف‏.‏

وقال صاحب الدّرّ المختار‏:‏ الصّحيح الصّحّة أي لكون ذلك أصبح متعارفاً‏.‏ وإذا بنى في الأرض المحتكرة مسجداً جاز عند الحنفيّة أيضاً، قال ابن نجيم‏:‏ والظّاهر أنّ الحكر على الواقف طيلة مدّة الاحتكار، فإذا انقضت المدّة ينبغي أن يكون الحكر على بيت المال‏.‏ ويصحّ عند المالكيّة والشّافعيّة وقف البناء الّذي يبنيه المحتكر والغراس الّذي يغرسه‏.‏ فقد ذكر النّوويّ في الرّوضة أنّه لو استأجر أرضًا ليبني فيها أو يغرس، ففعل، ثمّ وقف البناء والغرس صحّ على الأصحّ، ولو وقف هذا أرضه، وهذا بناءه،صحّ بلا خلاف كما لو باعاه‏.‏

موت المستحكر قبل أن يبني أو يغرس

23 - يرى الحنفيّة أنّه إذا مات المستحكر قبل أن يبني أو يغرس في الأرض المستحكرة انفسخت الإجارة، وليس لورثته البناء في الأرض أو الغرس فيها إلاّ بإذن النّاظر‏.‏

ولم نجد لغير الحنفيّة تصريحًا بحكم الحكر خاصّةً‏.‏

انقضاء الحكر بهلاك البناء أو الأشجار

24 - إذا خرب البناء الّذي بناه المحتكر في أرض الوقف وزال عنها بالكلّيّة، ينقضي حقّ المحتكر في القرار فيها‏.‏ وهذا إن كان بعد انقضاء مدّة الإجارة، لا في المدّة‏.‏ وكذلك إن فنيت الأشجار الّتي في الأرض الزّراعيّة وذهب كردارها لا يكون للمحتكر حقّ في الاستمرار في شغلها، إن حصل ذلك بعد انقضاء مدّة الإجارة‏.‏

حكم

التّعريف

1 - الحكم لغةً‏:‏ القضاء‏.‏ وأصل معناه‏:‏ المنع، يقال‏:‏ حكمت عليه بكذا إذا منعته من خلافه فلم يقدر على الخروج من ذلك، ويقال حكم اللّه أي قضاؤه بأمر والمنع من مخالفته‏.‏ ولتعريف الحكم اصطلاحاً يقيّد بالشّرعيّ، تفريقاً له عن العقليّ والعاديّ وغيرهما، فالحكم الشّرعيّ عند جمهور الأصوليّين هو‏:‏ خطاب الشّارع المتعلّق بأفعال المكلّفين اقتضاءً أو تخييراً أو وضعاً‏.‏

أمّا عند الفقهاء فهو‏:‏ أثر خطاب اللّه المتعلّق بأفعال المكلّفين اقتضاءً أو تخييراً أو وضعاً، فالحكم عندهم هو الأثر أي الوجوب ونحوه، وليس الخطاب نفسه‏.‏

أنواع الحكم

2 - ينقسم الحكم هنا إلى التّكليفيّ والوضعيّ، وبعضهم زاد التّخييريّ، ويدلّ تعريف الحكم على هذه الأنواع، فالمراد بالاقتضاء في تعريف الحكم هو الطّلب، ويسمّى هذا النّوع من أنواع الحكم‏:‏ الحكم التّكليفيّ لما فيه من إلزام كلفة‏.‏

ويتناول كلّاً من طلب الفعل جازماً، وهو الوجوب، أو غير جازم، وهو النّدب، كما يتناول طلب التّرك جازماً، وهو التّحريم، أو غير جازم، وهو الكراهة‏.‏

والمراد بالتّخيير - في التّعريف - الإباحة،وهي أن لا يكون الشّيء مطلوب الفعل أو التّرك‏.‏ وبأحكام الاقتضاء والتّخيير تستكمل أقسام الأحكام التّكليفيّة الخمسة أو السّبعة - على ما سيأتي - وقصرها بعض الأصوليّين - كالآمديّ - على ما يتعلّق بطريق الاقتضاء، وأفرد الإباحة باسم ‏"‏ الحكم التّخييريّ ‏"‏ في حين أنّ بعض الأصوليّين يخرجون المندوب من الحكم التّكليفيّ لأنّه ليس فيه إلزام بمشقّة، قال الآمديّ‏:‏ وهو أولى من المباح بالخروج من الحكم التّكليفيّ‏.‏ وينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏إباحة‏)‏‏.‏

والمراد بالوضع - في تعريف الحكم - خطاب اللّه تعالى المتعلّق بجعل الشّيء سبباً، أو شرطًا، أو مانعًا، أو صحيحاً، أو فاسداً ‏"‏ أو باطلاً على ما ذهب إليه الحنفيّة من التّفرقة بين الفاسد والباطل ‏"‏‏.‏ وتفصيله في مصطلحي‏:‏ ‏(‏باطل، وبطلان‏)‏‏.‏

أقسام الحكم التكليفي

3 - ينقسم الحكم التّكليفيّ عند الجمهور إلى خمسة أقسام هي‏:‏ الفرض، والنّدب، والإباحة، والحرمة، والكراهة، وتزيد الأقسام عند الحنفيّة قسمين آخرين هما الوجوب‏:‏ وهو بين الفرض والنّدب ‏.‏ و الكراهة التّحريميّة‏:‏ وهي بين الحرمة والكراهة التّنزيهيّة، فالفرض غير الواجب عند الحنفيّة، أمّا الجمهور فيسوّون بين الفرض والواجب‏.‏

هذا، ولبعض أقسام الحكم التّكليفيّ كالواجب تقسيمات كثيرة باعتبارات مختلفة، أهمّها تقسيمه بحسب وقت أدائه إلى مؤقّت، ومطلق، وبحسب المطالب بأدائه إلى عينيّ، وكفائيّ، وبحسب المقدار المطلوب منه إلى محدّد، وغير محدّد، وبحسب تعيين المطلوب إلى معيّن ومخيّر‏.‏ وتفصيل ذلك كلّه سبق في مصطلح‏:‏ ‏(‏حقّ‏)‏‏.‏ وكذلك تقسيمات البقيّة كالمندوب والمكروه والمحرّم وتنظر في مصطلحاتها، وفي الملحق الأصوليّ‏.‏

أقسام الحكم الوضعيّ

4 - ينقسم الحكم الوضعيّ إلى أقسام كثيرة أهمّها‏:‏ السّبب، والشّرط، والمانع، والرّخصة، أو العزيمة، والصّحّة، أو البطلان‏.‏

وينظر تفصيلها في مصطلحاتها، وفي الملحق الأصوليّ‏.‏

حُكمان

انظر‏:‏ تحكيم‏.‏